سورة الفرقان - تفسير تفسير الشوكاني

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفرقان)


        


قوله: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السماء بالغمام} وصف سبحانه هاهنا بعض حوادث يوم القيامة، والتشقق التفتح، قرأ عاصم والأعمش ويحيى بن وثاب وحمزة والكسائي وأبو عمرو: {تشقق} بتخفيف الشين، وأصله تتشقق، وقرأ الباقون بتشديد الشين على الإدغام. واختار القراءة الأولى أبو عبيد، واختار الثانية أبو حاتم، ومعنى تشققها بالغمام: أنها تتشقق عن الغمام. قال أبو علي الفارسي: تشقق السماء، وعليها غمام كما تقول: ركب الأمير بسلاحه أي: وعليه سلاحه، وخرج بثيابه أي: وعليه ثيابه. ووجه ما قاله: أن الباء وعن يتعاقبان كما تقول: رميت بالقوس. وعن القوس، وروي أن السماء تتشقق عن سحاب رقيق أبيض، وقيل: إن السماء تتشقق بالغمام الذي بينها وبين الناس. والمعنى: أنه يتشقق السحاب بتشقق السماء، وقيل: إنها تشقق لنزول الملائكة، كما قال سبحانه بعد هذا: {وَنُزّلَ الملائكة تَنزِيلاً} وقيل: إن الباء في {بالغمام} سببية أي: بسبب الغمام، يعني: بسبب طلوعه منها كأنه الذي تتشقق به السماء، وقيل: إن الباء متعلقة بمحذوف أي: ملتبسة بالغمام. قرأ ابن كثير: {وننزل الملائكة} مخففاً، من الإنزال بنون بعدها نون ساكنة، وزاي مخففة بكسرة مضارع أنزل، والملائكة منصوبة على المفعولية. وقرأ الباقون من السبعة {ونُزِل} بضم النون، وكسر الزاي المشدّدة ماضياً مبنياً للمفعول، وقرأ ابن مسعود، وأبو رجاء: {نزل} بالتشديد ماضياً مبنياً للفاعل، وفاعله الله سبحانه، وقرأ أبيّ بن كعب. {أنزل الملائكة} وروي عنه: أنه قرأ: {تنزلت الملائكة}، وقد قرئ في الشواذ بغير هذه، وتأكيد هذا الفعل بقوله: {تَنْزِيلاً} يدلّ على أن هذا التنزيل على نوع غريب، ونمط عجيب. قال أهل العلم: إن هذا تنزيل رضا ورحمة لا تنزيل سخط وعذاب.
{الملك يَوْمَئِذٍ الحق للرحمن} الملك مبتدأ، والحق صفة له وللرحمن. الخبر، كذا قال الزجاج: أي: الملك الثابت الذي لا يزول للرحمن يومئذٍ، لأن الملك الذي يزول وينقطع ليس بملك في الحقيقة، وفائدة التقييد بالظرف أن ثبوت الملك المذكور له سبحانه خاصة في هذا اليوم. وأما فيما عداه من أيام الدنيا، فلغيره ملك في الصورة، وإن لم يكن حقيقياً. وقيل: إن خبر المبتدأ هو الظرف، والحق نعت للملك. والمعنى: الملك الثابت للرحمن خاص في هذا اليوم {وَكَانَ يَوْماً عَلَى الكافرين عَسِيراً} أي: وكان هذا اليوم مع كون الملك فيه لله وحده شديداً على الكفار لما يصابون به فيه، وينالهم من العقاب بعد تحقيق الحساب، وأمّا على المؤمنين فهو يسير غير عسير، لما ينالهم فيه من الكرامة والبشرى العظيمة.
{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظالم على يَدَيْهِ} الظرف منصوب بمحذوف أي: واذكر، كما انتصب بهذا المحذوف الظرف الأول، أعني: {يوم تشقق}، {ويوم يعضّ الظالم على يديه}، الظاهر أن العضّ هنا حقيقة، ولا مانع من ذلك، ولا موجب لتأويله.
وقيل: هو كناية عن الغيظ والحسرة، والمراد بالظالم: كلّ ظالم يرد ذلك المكان، وينزل ذلك المنزل، ولا ينافيه ورود الآية على سبب خاص، فالإعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب {يَقُولُ ياليتنى اتخذت مَعَ الرسول سَبِيلاً}: {يقول} في محل نصب على الحال، ومقول القول هو: يا ليتني، إلخ، والمنادى محذوف أي: يا قوم {ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً} طريقاً، وهو طريق الحق، ومشيت فيه حتى أخلص من هذه الأمور المضلة، والمراد: اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به. {ياويلتا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً} دعاء على نفسه بالويل والثبور على مخاللة الكافر الذي أضله في الدنيا، وفلان كناية عن الأعلام. قال النيسابوري: زعم بعض أئمة اللغة أنه لم يثبت استعمال فلان في الفصيح إلاّ حكاية، لا يقال: جاءني فلان. ولكن يقال: قال زيد: جاءني فلان، لأنه اسم اللفظ الذي هو علم الاسم، وكذلك جاء في كلام الله. وقيل: فلان كناية عن علم ذكور من يعقل، وفلانة عن علم إناثهم. وقيل: كناية عن نكرة من يعقل من الذكور. وفلانة عمن يعقل من الإناث، وأما الفلان والفلانة فكناية عن غير العقلاء، وفل يختص بالنداء إلاّ في ضرورة كقول الشاعر:
في لجة أمسك فلاناً عن فل ***
وقوله:
حدّثاني عن فلان وفل ***
وليس فل مرخماً من فلان خلافاً للفراء. وزعم أبو حيان أن ابن عصفور وابن مالك وهما في جعل فلان كناية علم من يعقل. وقرأ الحسن {يا ويلتي} بالياء الصريحة، وقرأ الدوري بالإمالة. قال أبو علي: وترك الإمالة أحسن، لأن أصل هذه اللفظة الياء، فأبدلت الكسرة فتحة، والياء التاء فراراً من الياء، فمن أمال رجع إلى الذي فرّ منه.
{لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذكر بَعْدَ إِذْ جَاءنِى} أي: والله لقد أضلني هذا الذي اتخذته خليلاً عن القرآن، أو عن الموعظة، أو كلمة الشهادة، أو مجموع ذلك. بعد إذ جاءني، وتمكنت منه، وقدرت عليه {وَكَانَ الشيطان للإنسان خَذُولاً} الخذل: ترك الإغاثة، ومنه خذلان إبليس للمشركين حيث يوالونه، ثم يتركهم عند استغاثتهم به، وهذه الجملة مقرّرة لمضمون ما قبلها، ويحتمل أن تكون من كلام الله تعالى، أو من تمام كلام الظالم، وأنه سمى خليله شيطاناً بعد أن جعله مضلاً. أو أراد بالشيطان: إبليس لكونه الذي حمله على مخاللة المضلين.
{وَقَالَ الرسول يارب إِنَّ قَوْمِي اتخذوا هذا القرءان مَهْجُوراً} معطوف على {وَقَالَ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا}، والمعنى: إنّ قومي اتخذوا هذا القرآن الذي جئت به إليهم، وأمرتني بإبلاغه، وأرسلتني به مهجوراً متروكاً لم يؤمنوا به، ولا قبلوه بوجه من الوجوه.
وقيل: هو من هجر إذا هذى. والمعنى: أنهم اتخذوه هجراً، وهذياناً. وقيل: معنى مَهْجُوراً: مهجوراً فيه، ثم حذف الجار، وهجرهم فيه قولهم: إنه سحر، وشعر، وأساطير الأوّلين، وهذا القول يقوله الرسول صلى الله عليه وسلم يوم القيامة وقيل: إنه حكاية لقوله في الدنيا {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيّ عَدُوّاً مّنَ المجرمين} هذا تسلية من الله سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم، والمعنى: أن الله سبحانه جعل لكلّ نبيّ من الأنبياء الداعين إلى الله عدوًّا يعاديه من مجرمي قومه، فلا تجزع يا محمد، فإن هذا دأب الأنبياء قبلك، واصبر كما صبروا {وكفى بِرَبّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} قال المفسرون: الباء زائدة أي: كفى ربك، وانتصاب {نصيراً} و{هادياً} على الحال، أو التمييز أي: يهدي عباده إلى مصالح الدين، والدنيا، وينصرهم على الأعداء.
{وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لَوْلاَ نُزّلَ عَلَيْهِ القرءان جُمْلَةً واحدة} هذا من جملة اقتراحاتهم وتعنتاتهم أي: هلا نزّل الله علينا هذا القرآن دفعة واحدة غير منجم. واختلف في قائل هذه المقالة؛ فقيل: كفار قريش، وقيل: اليهود، قالوا: هلا أتيتنا بالقرآن جملة واحدة كما أنزلت التوراة، والإنجيل، والزبور؟ وهذا زعم باطل، ودعوى داحضة، فإن هذه الكتب نزلت مفرّقة كما نزل القرآن، ولكنهم معاندون، أو جاهلون لا يدرون بكيفية نزول كتب الله سبحانه على أنبيائه، ثم ردّ الله سبحانه عليهم، فقال: {كَذَلِكَ لِنُثَبّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} أي: نزلنا القرآن كذلك مفرّقاً، والكاف في محل نصب على أنها نعت مصدر محذوف، وذلك إشارة إلى ما يفهم من كلامهم، أي: مثل ذلك التنزيل المفرّق الذي قدحوا فيه، واقترحوا خلافه؛ نزلناه لنقوّي بهذا التنزيل على هذه الصفة فؤادك، فإن إنزاله مفرّقاً منجماً على حسب الحوادث أقرب إلى حفظك له، وفهمك لمعانيه، وذلك من أعظم أسباب التثبيت، واللام متعلقة بالفعل المحذوف الذي قدّرناه.
وقال أبو حاتم: إن الأخفش قال: إنها جواب قسم محذوف. قال: وهذا قول مرجوح. وقرأ عبد الله: {ليثبت} بالتحتية أي: الله سبحانه، وقيل: إن هذه الكلمة أعني: كذلك، هي من تمام كلام المشركين، والمعنى: كذلك أي: كالتوراة والإنجيل والزبور، فيوقف على قوله: {كذلك}، ثم يبتدأ بقوله: {لِنُثَبّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} على معنى: أنزلناه عليك متفرّقاً لهذا الغرض. قال ابن الأنباري: وهذا أجود وأحسن. قال النحاس: وكان ذلك أي: إنزال القرآن منجماً من أعلام النبوّة لأنهم لا يسألونه عن شيء إلاّ أجيبوا عنه، وهذا لا يكون إلاّ من نبيّ، فكان ذلك تثبيتاً لفؤاده وأفئدتهم. {وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً} هذا معطوف على الفعل المقدّر أي: كذلك نزلناه ورتلناه ترتيلاً، ومعنى الترتيل: أن يكون آية بعد آية، قاله النخعي والحسن وقتادة. وقيل: إن المعنى بيناه تبييناً، حكى هذا عن ابن عباس.
وقال مجاهد: بعضه في إثر بعض.
وقال السدّي: فصلناه تفصيلاً. قال ابن الأعرابي: ما أعلم الترتيل إلاّ التحقيق والتبيين.
ثم ذكر سبحانه أنهم محجوجون في كلّ أوان مدفوع قولهم بكل وجه، وعلى كل حالة، فقال: {وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جئناك بالحق وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} أي: لا يأتيك يا محمد المشركون بمثل من أمثالهم التي من جملتها اقتراحاتهم المتعنتة إلاّ جئناك في مقابلة مثلهم بالجواب الحق الثابت الذي يبطل ما جاءوا به من المثل ويدمغه ويدفعه. فالمراد بالمثل هنا السؤال والإقتراح، وبالحق: جوابه الذي يقطع ذريعته، ويبطل شبهته، ويحسم مادّته. ومعنى {أَحْسَنُ تَفْسِيراً}: جئناك بأحسن تفسير، فأحسن تفسيراً معطوف على الحق، والاستثناء بقوله: {إِلاَّ جئناك} مفرّغ، والجملة في محل نصب على الحال أي: لا يأتونك بمثل إلاّ في حال إيتائنا إياك ذلك.
ثم أوعد هؤلاء الجهلة، وذمهم، فقال: {الذين يُحْشَرُونَ على وُجُوهِهِمْ إلى جَهَنَّمَ} أي: يحشرون كائنين على وجوههم، والموصول مبتدأ، وخبره: أولئك، أو هو خبر مبتدأ محذوف أي: هم الذين، يجوز نصبه على الذمّ. ومعنى {يُحْشَرُونَ على وُجُوهِهِمْ} يسحبون عليها إلى جهنم {أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً} أي: منزلاً ومصيراً {وَأَضَلُّ سَبِيلاً}، وأخطأ طريقاً، وذلك لأنهم قد صاروا في النار.
وقد تقدّم تفسير مثل هذه الآية في سورة سبحان، وقد قيل: إن هذا متصل بقوله: {أصحاب الجنة يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً}.
وقد أخرج عبد بن حميد وابن أبي الدنيا وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن عباس في قوله: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السماء بالغمام وَنُزّلَ الملائكة تَنزِيلاً} قال: يجمع الله الخلق يوم القيامة في صعيد واحد: الجنّ والإنس والبهائم والسباع والطير وجميع الخلق، فتنشقّ السماء الدنيا، فينزل أهلها، وهم أكثر ممن في الأرض من الجنّ والإنس وجميع الخلق، فيحيطون بالجنّ والإنس وجميع الخلق، فيقول أهل الأرض: أفيكم ربنا؟ فيقولون: لا، ثم تنشق السماء الثانية، وذكر مثل ذلك، ثم كذلك في كلّ سماء إلى السماء السابعة، وفي كل سماء أكثر من السماء التي قبلها، ثم ينزل ربنا في ظلل من الغمام وحوله الكروبيون، وهم أكثر من أهل السماوات السبع والإنس والجنّ وجميع الخلق، لهم قرون ككعوب القثاء، وهم تحت العرش، لهم زجل بالتسبيح والتهليل والتقديس لله تعالى، ما بين إخمص قدم أحدهم إلى كعبه مسيرة خمسمائة عام، ومن ركبته إلى فخذه مسيرة خمسمائة عام، ومن فخذه إلى ترقوته مسيرة خمسمائة عام، وما فوق ذلك مسيرة خمسمائة عام. وإسناده عند ابن جرير هكذا قال: حدّثنا القاسم، وحدّثنا الحسين، حدّثني الحجاج بن مبارك بن فضالة عن عليّ بن زيد بن جدعان عن يوسف بن مهران: أنه سمع ابن عباس، فذكره.
وأخرجه ابن أبي حاتم بإسناد هكذا: قال: حدّثنا محمد بن عمار بن الحارث مأمول، حدّثنا حماد بن سلمة عن عليّ بن زيد به.
وأخرج ابن مردويه، وأبو نعيم في الدلائل بسندٍ، قال السيوطي: صحيح، من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن أبا معيط كان يجلس مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة لا يؤذيه، وكان رجلاً حليماً، وكان بقية قريش إذا جلسوا معه آذوه، وكان لأبي معيط خليل غائب عنه بالشام، فقالت قريش: صبأ أبو معيط، وقدم خليله من الشام ليلاً، فقال لامرأته: ما فعل محمد مما كان عليه؟ فقالت: أشدّ ما كان أمراً، فقال: ما فعل خليلي أبو معيط؟ فقالت: صبأ، فبات بليلة سوء، فلما أصبح أتاه أبو معيط، فحياه، فلم يردّ عليه التحية، فقال: مالك لا تردّ عليّ تحيتي؟، فقال: كيف أردّ عليك تحيتك، وقد صبوت؟ قال: أو قد فعلتها قريش؟ قال نعم، قال: فما يبريء صدورهم إن أنا فعلته؟ قال: تأتيه في مجلسه فتبزق في وجهه، وتشتمه بأخبث ما تعلم من الشتم، ففعل فلم يردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن مسح وجهه من البزاق، ثم التفت إليه فقال: «إن وجدتك خارجاً من جبال مكة أضرب عنقك صبراً»، فلما كان يوم بدر، وخرج أصحابه أبى أن يخرج، فقال له أصحابه: أخرج معنا، قال: وعدني هذا الرجل إن وجدني خارجاً من جبال مكة أن يضرب عنقي صبراً، فقالوا: لك جمل أحمر لا يدرك، فلو كانت الهزيمة طرت عليه، فخرج معهم، فلما هزم الله المشركين، وحمل به جمله في جدود من الأرض، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم أسيراً في سبعين من قريش، وقدم إليه أبو معيط، فقال: أتقتلني من بين هؤلاء؟ قال: «نعم بما بزقت في وجهي»، فأنزل الله في أبي معيط: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظالم على يَدَيْهِ} إلى قوله: {وَكَانَ الشيطان للإنسان خَذُولاً}.
وأخرج أبو نعيم هذه القصة من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، وذكر: أن خليل أبي معيط، هو: أبيّ بن خلف.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أيضاً في قوله: {يَوْمٍ يَعَضُّ الظالم على يَدَيْهِ} قال: أبيّ بن خلف وعقبه بن أبي معيط، وهما الخليلان في جهنم.
وأخرج ابن مردويه عنه أيضاً في قوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نَبِيّ عَدُوّاً مّنَ المجرمين} قال: كان عدوّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أبو جهل، وعدوّ موسى قارون، وكان قارون ابن عمّ موسى.
وأخرج ابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والضياء في المختارة عن ابن عباس قال: قال المشركون: لو كان محمد كما يزعم نبياً، فلم يعذبه ربه؟ ألا ينزل عليه القرآن جملة واحدة ينزل عليه الآية والآيتين، والسورة والسورتين، فأنزل الله على نبيه جواب ما قالوا: {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لَوْلاَ نُزّلَ عَلَيْهِ القرءان جُمْلَةً واحدة} إلى {وَأَضَلُّ سَبِيلاً}.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس: {لِنُثَبّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} قال: لنشدد به فؤادك ونربط على قلبك {وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً} قال: رسلناه ترسيلاً، يقول: شيئاً بعد شيء {وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ} يقول: لو أنزلنا عليك القرآن جملة واحدة، ثم سألوك لم يكن عنده ما يجيب، ولكنا نمسك عليك، فإذا سألوك أجبت.


اللام في قوله: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا موسى الكتاب} جواب قسم محذوف، أي: والله لقد آتينا موسى التوراة، ذكر سبحانه طرفاً من قصص الأولين تسلية له صلى الله عليه وسلم بأن تكذيب قوم أنبياء الله لهم عادة للمشركين بالله، وليس ذلك بخاص بمحمد صلى الله عليه وسلم، و{هارون} عطف بيان ويجوز: أن ينصب على القطع، و{وَزِيراً} المفعول الثاني. وقيل: حال، والمفعول الثاني معه، والأوّل أولى. قال الزجاج: الوزير في اللغة الذي يرجع إليه، ويعمل برأيه، والوزر ما يعتصم به، ومنه: {كَلاَّ لاَ وَزَرَ} [القيامة: 11].
وقد تقدّم تفسير الوزير في طه، والوزارة لا تنافي النبوة، فقد كان يبعث في الزمن الواحد أنبياء، ويؤمرون بأن يوازر بعضهم بعضاً.
وقد كان هارون في أوّل الأمر وزيراً لموسى، ولاشتراكهما في النبوّة قيل لهما: {اذهبا إِلَى القوم الذين كَذَّبُواْ بئاياتنا}، وهم فرعون وقومه، والآيات هي التسع التي تقدم ذكرها، وإن لم يكونوا قد كذبوا بها عند أمر الله لموسى وهارون بالذهاب بل كان التكذيب بعد ذلك، لكن هذا الماضي بمعنى المستقبل على عادة إخبار الله أي: اذهبا إلى القوم الذين يكذبون بآياتنا. وقيل: إنما وصفوا بالتكذيب عند الحكاية لرسول الله صلى الله عليه وسلم بياناً لعلة استحقاقهم للعذاب. وقيل: يجوز أن يراد إلى القوم الذين آل حالهم إلى أن كذبوا. وقيل: إن المراد بوصفهم بالتكذيب عند الإرسال: أنهم كانوا مكذبين للآيات الإلهية، وليس المراد آيات الرسالة. قال القشيري: وقوله تعالى في موضع آخر: {اذهب إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغى} [طه: 24] لا ينافي هذا لأنهما إذا كانا مأمورين، فكل واحد مأمور. ويمكن أن يقال: إن تخصيص موسى بالخطاب في بعض المواطن لكونه الأصل في الرسالة، والجمع بينهما في الخطاب لكونهما مرسلين جميعاً {فدمرناهم تَدْمِيراً} في الكلام حذف أي: فذهبا إليهم، فكذبوهما، فدمرناهم أي: أهلكناهم إثر ذلك التكذيب إهلاكاً عظيماً. وقيل: إن المراد بالتدمير هنا الحكم به، لأنه لم يحصل عقب بعث موسى وهارون إليهم، بل بعده بمدّة.
{وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُواْ الرسل أغرقناهم} في نصب {قوم} أقوال: العطف على الهاء، والميم في دمرناهم، أو النصب بفعل محذوف أي: اذكر، أو بفعل مضمر يفسره ما بعده، وهو أغرقناهم أي: أغرقنا قوم نوح أغرقناهم.
وقال الفراء: هو منصوب بأغرقناهم المذكور بعده من دون تقدير مضمر يفسره ما بعده. وردّه النحاس: بأن أغرقنا لا يتعدّى إلى مفعولين حتى يعمل في الضمير المتصل به، وفي قوم نوح، ومعنى {لَّمَّا كَذَّبُواْ الرسل}: أنهم كذبوا نوحاً، وكذبوا من قبله من رسل الله.
وقال الزجاج: من كذّب نبياً فقد كذّب جميع الأنبياء، وكان إغراقهم بالطوفان كما تقدّم في هود {وجعلناهم لِلنَّاسِ ءَايَةً} أي: جعلنا إغراقهم، أو قصتهم للناس آية أي: عبرة لكل الناس على العموم يتعظ بها كل مشاهد لها، وسامع لخبرها {وَأَعْتَدْنَا للظالمين} المراد بالظالمين: قوم نوح على الخصوص.
ويجوز أن يكون المراد كل من سلك مسلكهم في التكذيب والعذاب الأليم: هو عذاب الآخرة، وانتصاب {عَاداً} بالعطف على قوم نوح، وقيل: على محل الظالمين، وقيل: على مفعول جعلناهم {وَثَمُود} معطوف على عاداً، وقصة عاد وثمود قد ذكرت فيما سبق {وأصحاب الرس} الرسّ في كلام العرب: البئر التي تكون غير مطوية، والجمع رساس كذا قال أبو عبيدة، ومنه قول الشاعر:
وهم سائرون إلى أرضهم *** تنابلة يحفرون الرّساسا
قال السدّي: هي بئر بأنطاكية قتلوا فيها حبيباً النجار، فنسبوا إليها، وهو صاحب يس الذي قال: {يَاقَوْم اتبعوا المرسلين} [ياس: 20] وكذا قال مقاتل، وعكرمة، وغيرهما. وقيل: هم قوم بأذربيجان قتلوا أنبياءهم، فجفت أشجارهم وزروعهم، فماتوا جوعاً وعطشاً. وقيل: كانوا يعبدون الشجر، وقيل: كانوا يعبدون الأصنام، فأرسل الله إليهم شعيباً، فكذبوه وآذوه. وقيل: هم قوم أرسل الله إليهم نبياً، فأكلوه، وقيل: هم أصحاب الأخدود. وقيل: إن الرسّ هي البئر المعطلة التي تقدّم ذكرها، وأصحابها: أهلها.
وقال في الصحاح: والرسّ: اسم بئر كانت لبقية ثمود، وقيل: الرسّ ماء ونخل لبني أسد، وقيل: الثلج المتراكم في الجبال. والرسّ: اسم واد، ومنه قول زهير:
بكرن بكوراً واستحرن بسحرة *** فهنّ لوادي الرسّ كاليد للفم
والرسّ أيضاً: الإصلاح بين الناس، والإفساد بينهم، فهو: من الأضداد. وقيل: هم أصحاب حنظلة بن صفوان، وهم الذين ابتلاهم الله بالطائر المعروف بالعنقاء {وَقُرُوناً بَيْنَ ذلك كَثِيراً} معطوف على ما قبله، والقرون جمع قرن أي: أهل قرون، والقرن مائة سنة، وقيل: مائة وعشرون. وقيل: القرن أربعون سنة، والإشارة بقوله: {بَيْنَ ذلك} إلى ما تقدّم ذكره من الأمم.
وقد يذكر الذاكر أشياء مختلفة ثم يشير إليها بذلك.
{وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ الأمثال} قال الزجاج: أي: وأنذرنا كلا ضربنا لهم الأمثال، وبينا لهم الحجة، ولم نضرب لهم الأمثال الباطلة كما يفعله هؤلاء الكفرة، فجعله منصوباً بفعل مضمر يفسره ما بعده، لأن حذرنا، وذكرنا، وأنذرنا في معنى: ضربنا، ويجوز أن يكون معطوفاً على ما قبله، والتنوين عوض عن المضاف إليه المحذوف، وهو الأمم أي: كل الأمم ضربنا لهم الأمثال أما {كَلاَّ} الأخرى: فهي منصوبة بالفعل الذي بعدها، والتتبير: الإهلاك بالعذاب. قال الزجاج: كل شيء كسرته وفتتته فقد تبرته.
وقال المؤرج، والأخفش: معنى {تَبَّرْنَا تَتْبِيراً}: دمرنا تدميراً، أبدلت التاء والباء من الدال والميم {وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى القرية التى أُمْطِرَتْ مَطَرَ السوء} هذه جملة مستأنفة مبينة لمشاهدتهم لآثار هلاك بعض الأمم. والمعنى: ولقد أتوا أي: مشركو مكة على قرية قوم لوط التي أمطرت مطر السوء، وهو الحجارة أي: هلكت بالحجارة التي أمطروا بها، وانتصاب مطر على المصدرية، أو على أنه مفعول ثانٍ: إذ المعنى: أعطيتها، وأوليتها مطر السوء، أو على أنه نعت مصدر محذوف أي: إمطاراً مثل مطر السوء، وقرأ أبو السموأل {السوء} بضم السين، وقد تقدّم تفسير السوء في براءة {أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا} الاستفهام للتقريع والتوبيخ؛ أي: يرون القرية المذكورة عند سفرهم إلى الشام للتجارة، فإنهم يمرّون بها، والفاء للعطف على مقدّر أي: لم يكونوا ينظرون إليها، فلم يكونوا يرونها {بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُوراً} أضرب سبحانه عما سبق من عدم رؤيتهم لتلك الآثار إلى عدم رجاء البعث منهم المستلزم لعدم رجائهم للجزاء، ويجوز أن يكون معنى يرجون: يخافون.
{وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً} أي: ما يتخذونك إلاّ هزؤاً أي: مهزوءاً بك، قصر معاملتهم له على اتخاذهم إياه هزواً، فجواب {إذا} هو {إِن يَتَّخِذُونَكَ} وقيل: الجواب محذوف، وهو قالوا: أهذا الذي، وعلى هذا، فتكون جملة {إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ} معترضة، والأوّل أولى. وتكون جملة: {أهذا الذى بَعَثَ الله رَسُولاً} في محل نصب على الحال بتقدير القول: أي: قائلين أهذا؟ إلخ، وفي اسم الإشارة دلالة على استحقارهم له، وتهكمهم به، والعائد محذوف أي: بعثه الله، وانتصاب {رسولاً} على الحال أي: مرسلاً، واسم الإشارة مبتدأ، وخبره الموصول، وصلته {إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ ءَالِهَتِنَا} أي: قالوا: إن كاد هذا الرسول ليضلّنا: ليصرفنا عن آلهتنا، فنترك عبادتها، وإن هنا هي المخففة، وضمير الشأن محذوف أي: إنه كاد أن يصرفنا عنها {لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا} أي: حبسنا أنفسنا على عبادتها، ثم إنه سبحانه أجاب عليهم، فقال: {وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ العذاب مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً} أي: حين يرون عذاب يوم القيامة الذي يستحقونه ويستوجبونه بسبب كفرهم من هو أضلّ سبيلا أي: أبعد طريقاً عن الحق والهدى، أهم أم المؤمنون؟
ثم بين لهم سبحانه أنه لا تمسك لهم فيما ذهبوا إليه سوى التقليد واتباع الهوى، فقال معجباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم {أَرَءَيْتَ مَنِ اتخذ إلهه هَوَاهُ} قدّم المفعول الثاني للعناية كما تقول: علمت منطلقاً زيداً أي: أطاع هواه طاعة كطاعة الإله أي: انظر إليه يا محمد، وتعجب منه. قال الحسن: معنى الآية: لا يهوى شيئاً إلاّ اتبعه {أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً} الاستفهام للإنكار والاستبعاد أي: أفأنت تكون عليه حفيظاً وكفيلاً حتى تردّه إلى الإيمان، وتخرجه من الكفر، ولست تقدر على ذلك ولا تطيقه، فليست الهداية والضلالة موكولتين إلى مشيئتك، وإنما عليك البلاغ.
وقد قيل: إن هذه الآية منسوخة بآية القتال.
ثم انتقل سبحانه من الإنكار الأول إلى إنكار آخر، فقال: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ} أي: أتحسب أن أكثرهم يسمعون ما تتلو عليهم من آيات القرآن، ومن المواعظ؟ أو يعقلون معاني ذلك، ويفهمونه حتى تعتني بشأنهم، وتطمع في إيمانهم، وليسوا كذلك، بل هم بمنزلة من لا يسمع ولا يعقل.
ثم بين سبحانه حالهم، وقطع مادّة الطمع فيهم، فقال: {إِنْ هُمْ إِلاَّ كالأنعام} أي: ما هم في الانتفاع بما يسمعونه إلاّ كالبهائم التي هي مسلوبة الفهم والعقل فلا تطمع فيهم، فإن فائدة السمع والعقل مفقودة، وإن كانوا يسمعون ما يقال لهم ويعقلون ما يتلى عليهم، ولكنهم لما لم ينتفعوا بذلك كانوا كالفاقد له. ثم أضرب سبحانه عن الحكم عليهم بأنهم كالأنعام إلى ما هو فوق ذلك، فقال: {بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} أي: أضل من الأنعام طريقاً. قال مقاتل: البهائم تعرف ربها، وتهتدي إلى مراعيها، وتنقاد لأربابها، وهؤلاء لا ينقادون، ولا يعرفون ربهم الذي خلقهم ورزقهم. وقيل: إنما كانوا أضلّ من الأنعام، لأنه لا حساب عليها، ولا عقاب لها، وقيل: إنما كانوا أضلّ؛ لأن البهائم إذا لم تعقل صحة التوحيد والنبوة لم تعتقد بطلان ذلك، بخلاف هؤلاء فإنهم اعتقدوا البطلان عناداً ومكابرة وتعصباً وغمطاً للحق.
وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هارون وَزِيراً} قال: عوناً وعضداً.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {فدمرناهم تَدْمِيراً} قال: أهلكناهم بالعذاب.
وأخرج ابن جرير عنه قال: الرسّ قرية من ثمود.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً قال: الرسّ بئر بأذربيجان، وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن ابن عباس: أنه سأل كعباً عن أصحاب الرسّ قال: صاحب يس الذي قال: {قَالَ يَا قَوْم اتبعوا المرسلين} [ياس: 20] فرسه قومه في بئر بالأحجار.
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أوّل الناس يدخل الجنة يوم القيامة العبد الأسود، وذلك أن الله بعث نبياً إلى أهل قرية فلم يؤمن به من أهلها أحد إلاّ ذلك الأسود، ثم إن أهل القرية غدوا على النبي، فحفروا له بئراً، فألقوه فيها، ثم أطبقوا عليه بحجر ضخم، فكان ذلك العبد يذهب فيحتطب على ظهره، ثم يأتي بحطبه فيبيعه فيشتري به طعاماً وشراباً، ثم يأتي به إلى تلك البئر، فيرفع تلك الصخرة فيعينه الله عليها، فيدلي طعامه وشرابه، ثم يردّها كما كانت، فكان كذلك ما شاء الله أن يكون، ثم إنه ذهب يوماً يحتطب كما كان يصنع، فجمع حطبه وحزم حزمته، وفرغ منها، فلما أراد أن يحملها وجد سنة، فاضطجع فنام، فضرب على أذنه سبع سنين نائماً، ثم إنه ذهب فتمطى، فتحوّل لشقه الآخر فاضطجع، فضرب الله على أذنه سبع سنين أخرى، ثم إنه ذهب فاحتمل حزمته ولا يحسب إلاّ أنه نام ساعة من نهار، فجاء إلى القرية، فباع حزمته، ثم اشترى طعاماً، وشراباً كما كان يصنع، ثم ذهب إلى الحفرة في موضعها الذي كانت فيه، فالتمسه، فلم يجده، وقد كان بدا لقومه فيه بدّ فاستخرجوه فآمنوا به وصدقوه، وكان النبي يسألهم عن ذلك الأسود ما فعل؟ فيقولون: ما ندري حتى قبض ذلك النبي، فأهب الله الأسود من نومته بعد ذلك، إن ذلك الأسود لأوّل من يدخل الجنة».
قال ابن كثير في تفسيره بعد إخراجه: وفيه غرابة ونكارة، ولعل فيه إدراجاً. انتهى. الحديث أيضاً مرسل.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن زرارة بن أوفى قال: القرن مائة وعشرون عاماً.
وأخرج هؤلاء عن قتادة قال: القرن سبعون سنة، وأخرج ابن مردويه عن أبي سلمة قال: القرن مائة سنة.
وقد روي مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: «القرن مائة سنة»، وقال: «القرن خمسون سنة»، وقال: «القرن أربعون سنة» وما أظنه يصح شيء من ذلك، وقد سمى الجماعة من الناس قرناً كما في الحديث الصحيح: «خير القرون قرني».
وأخرج الحاكم في الكنى عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انتهى إلى معدّ ابن عدنان أمسك، ثم يقول: «كذب النسابون» قال الله: {وَقُرُوناً بَيْنَ ذلك كَثِيراً}.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس: {وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى القرية} قال: هي سدوم قرية لوط {التى أُمْطِرَتْ مَطَرَ السوء} قال: الحجارة.
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {أَرَءَيْتَ مَنِ اتخذ إلهه هَوَاهُ} قال: كان الرجل يعبد الحجر الأبيض زماناً من الدهر في الجاهلية، فإذا وجد حجراً أحسن منه رمى به وعبد الآخر، فأنزل الله الآية.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم في الآية قال: ذلك الكافر لا يهوى شيئاً إلاّ اتبعه.


لما فرغ سبحانه من ذكر جهالة الجاهلين وضلالتهم أتبعه بذكر طرف من دلائل التوحيد مع ما فيها من عظيم الإنعام، فأوّلها الاستدلال بأحوال الظل، فقال: {أَلَمْ تَرَ إلى رَبّكَ كَيْفَ مَدَّ الظل} هذه الرؤية إما بصرية، والمراد بها: ألم تبصر إلى صنع ربك، أو ألم تبصر إلى الظل كيف مدّه ربك؟ وإما قلبية بمعنى: العلم، فإن الظل متغير، وكل متغير حادث، ولكل حادث موجد. قال الزجاج {أَلَمْ تَرَ} ألم تعلم، وهذا من رؤية القلب. قال: وهذا الكلام على القلب، والتقدير: ألم تر إلى الظلّ كيف مدّه ربك؟ يعني: الظل من وقت الإسفار إلى طلوع الشمس، وهو ظل لا شمس معه، وبه قال الحسن وقتادة. وقيل: هو من غيبوبة الشمس إلى طلوعها. قال أبو عبيدة: الظل بالغداة، والفيء بالعشي، لأنه يرجع بعد زوال الشمس، سمي فيئاً لأنه فاء من المشرق إلى جانب المغرب. قال حميد بن ثور يصف سرحة، وكنى بها عن امرأة:
فلا الظلّ من برد الضحى تستطيعه *** ولا الفيء من برد العشي تذوق
وقال ابن السكيت: الظل: ما نسخته الشمس، والفيء: ما نسخ الشمس.
وحكى أبو عبيدة عن رؤبة قال: كل ما كانت عليه الشمس، فزالت عنه، فهو فيء وظلّ، وما لم تكن عليه الشمس، فهو ظلّ. انتهى. وحقيقة الظلّ: أنه أمر متوسط بين الضوء الخالص والظلمة الخالصة، وهذا التوسط هو أعدل من الطرفين، لأن الظلمة الخالصة يكرهها الطبع، وينفر عنها الحسّ، والضوء الكامل لقوّته يبهر الحسّ البصري، ويؤذي بالتسخين، ولذلك وصفت الجنة به بقوله: {وَظِلّ مَّمْدُودٍ} [الواقعة: 30]، وجملة: {وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِناً} معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه أي: لو شاء الله سبحانه سكونه لجعله ساكناً ثابتاً دائماً مستقراً لا تنسخه الشمس. وقيل: المعنى: لو شاء لمنع الشمس الطلوع، والأول أولى. والتعبير بالسكون عن الإقامة، والاستقرار سائغ، ومنه قولهم: سكن فلان بلد كذا: إذا أقام به، واستقرّ فيه. وقوله: {ثُمَّ جَعَلْنَا الشمس عَلَيْهِ دَلِيلاً} معطوف على قوله: {مَدَّ الظل} داخل في حكمه أي: جعلناها علامة يستدل بها بأحوالها على أحواله، وذلك لأن الظل يتبعها كما يتبع الدليل في الطريق من جهة أنه يزيد بها وينقص، ويمتد ويتقلص.
وقوله: {ثُمَّ قبضناه} معطوف أيضاً على مَدَّ داخل في حكمه. والمعنى: ثم قبضنا ذلك الظلّ المدود، ومحوناه عند إيقاع شعاع الشمس موقعه بالتدريج حتى انتهى ذلك الإظلال إلى العدم والإضمحلال. وقيل: المراد في الآية قبضه عند قيام الساعة بقبض أسبابه، وهي الأجرام النيرة. والأوّل أولى. والمعنى: أن الظلّ يبقى في هذا الجوّ من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، فإذا طلعت الشمس صار الظل مقبوضاً، وخلفه في هذا الجوّ شعاع الشمس، فأشرقت على الأرض، وعلى الأشياء إلى وقت غروبها، فإذا غربت، فليس هناك ظلّ، إنما فيه بقية نور النهار وقال قوم: قبضه بغروب الشمس، لأنها إذا لم تغرب، فالظلّ فيه بقية، وإنما يتمّ زواله بمجيء الليل، ودخول الظلمة عليه.
وقيل: المعنى: ثم قبضنا ضياء الشمس بالفيء {قَبْضاً يَسِيراً} ومعنى {إِلَيْنَا}: أن مرجعه إليه سبحانه كما أن حدوثه منه قبضاً يسيراً أي: على تدريج قليلاً قليلاً بقدر ارتفاع الشمس، وقيل: يسيراً سريعاً، وقيل: المعنى يسيراً علينا أي: يسيراً قبضه علينا ليس بعسير.
{وَهُوَ الَّذي جَعَلَ لَكُمُ اليل لِبَاساً} شبه سبحانه ما يستر من ظلام الليل باللباس الساتر. قال ابن جرير: وصف الليل باللباس تشبيهاً من حيث أنه يستر الأشياء، ويغشاها، واللام متعلقة بجعل {والنوم سُبَاتاً} أي: وجعل النوم سباتاً أي: راحة لكم، لأنكم تنقطعون عن الاشتغال، وأصل السبات: التمدد، يقال: سبتت المرأة شعرها أي: نقضته وأرسلته، ورجل مسبوت أي: ممدود الخلقة. وقيل: للنوم سبات، لأنه بالتمدد يكون، وفي التمدد معنى الراحة. وقيل: السبت القطع، فالنوم انقطاع عن الاشتغال، ومنه سبت اليهود لانقطاعهم عن الاشتغال. قال الزجاج: السبات النوم، وهو أن ينقطع عن الحركة، والروح في بدنه أي: جعلنا نومكم راحة لكم.
وقال الخليل: السبات نوم ثقيل أي: جعلنا نومكم ثقيلاً ليكمل الإجمام والراحة {وَجَعَلَ النهار نُشُوراً} أي: زمان بعث من ذلك السبات، شبه اليقظة بالحياة كما شبه النوم بالسبات الشبيه بالممات.
وقال في الكشاف: إن السبات الموت، واستدل على ذلك بكون النشور في مقابلته.
{وَهُوَ الذي أَرْسَلَ الرياح بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} قرئ: {الريح}، وقرئ: {بشراً} بالباء الموحدة، وبالنون.
وقد تقدم تفسير هذه الآية مستوفى في الأعراف {وَأَنزَلْنَا مِنَ السماء مَاء طَهُوراً} أي: يتطهر به كما يقال: وضوء للماء الذي يتوضأ به. قال الأزهري: الطهور في اللغة الطاهر المطهر، والطهور ما يتطهر به. قال ابن الأنباري: الطهور بفتح الطاء الاسم، وكذلك الوضوء، والوقود، وبالضم المصدر، هذا هو المعروف في اللغة؛ وقد ذهب الجمهور إلى أن الطهور هو الطاهر المطهر، ويؤيد ذلك كونه بناء مبالغة.
وروي عن أبي حنيفة أنه قال: الطهور هو الطاهر، واستدل لذلك بقوله تعالى: {وسقاهم رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً} [الإنسان: 21] يعني: طاهراً، ومنه قول الشاعر:
خليليّ هل في نظرة بعد توبة *** أداوي بها قلبي عليّ فجور
إلى رجح الأكفال غيد من الظبي *** عذاب الثنايا ريقهنّ طهور
فوصف الريق بأنه طهور، وليس بمطهر، ورجح القول الأوّل ثعلب، وهو راجح لما تقدّم من حكاية الأزهري لذلك عن أهل اللغة. وأما وصف الشاعر للريق بأنه طهور، فهو على طريق المبالغة، وعلى كل حال، فقد ورد الشرع بأن الماء طاهر في نفسه مطهر لغيره، قال الله تعالى: {وَيُنَزّلُ عَلَيْكُم مّن السماء مَاء لّيُطَهّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {خلق الماء طهوراً} ثم ذكر سبحانه علة الإنزال، فقال: {لّنُحْيِيَ بِهِ} أي: بالماء المنزل من السماء {بَلْدَةً مَّيْتاً} وصف البلدة ب {ميتاً}، وهي صفة للمذكر؛ لأنها بمعنى البلد.
وقال الزجاج: أراد بالبلد: المكان، والمراد بالإحياء هنا: إخراج النبات من المكان الذي لا نبات فيه {وَنُسْقِيَهِ مِمَّا خَلَقْنَا أنعاما وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً} أي: نسقي ذلك الماء، قرأ أبو عمرو وعاصم في رواية عنهما، وأبو حيان وابن أبي عبلة بفتح النون من: {نسقيه} وقرأ الباقون بضمها، و{من} في: {مِمَّا خَلَقْنَا} للإبتداء، وهي متعلقة ب {نسقيه}، ويجوز أن تتعلق بمحذوف على أنه حال، والأنعام قد تقدّم الكلام عليها، والأناسيّ جمع إنسان على ما ذهب إليه سيبويه.
وقال الفراء والمبرّد والزجاج: إنه جمع إنسيّ، وللفراء قول آخر: إنه جمع إنسان، والأصل: أناسين مثل سرحان وسراحين وبستان وبساتين، فجعلوا الباء عوضاً من النون.
{وَلَقَدْ صرفناه بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُواْ} ضمير {صرفناه} ذهب الجمهور إلى أنه راجع إلى ما ذكر من الدلائل أي: كرّرنا أحوال الإظلال، وذكر إنشاء السحاب، وإنزال المطر في القرآن، وفي سائر الكتب السماوية، ليتفكروا ويعتبروا {فأبى أَكْثَرُ} هم إلاّ كفران النعمة وجحدها.
وقال آخرون: إنه يرجع إلى أقرب المذكورات وهو المطر أي: صرفنا المطر بينهم في البلدان المختلفة، فنزيد منه في بعض البلدان، وننقص في بعض آخر منها، وقيل: الضمير راجع إلى القرآن، وقد جرى ذكره في أوّل السورة حيث قال: {تَبَارَكَ الذي نَزَّلَ الفرقان على عَبْدِهِ} [الفرقان: 1]، وقوله: {لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذكر بَعْدَ إِذْ جَاءنِي} [الفرقان: 29]، وقوله: {اتخذوا هذا القرءان مَهْجُوراً} [الفرقان: 30] والمعنى: ولقد كرّرنا هذا القرآن بإنزال آياته بين الناس؛ ليذكروا به، ويعتبروا بما فيه، فأبى أكثرهم {إِلاَّ كُفُورًا} به، وقيل: هو راجع إلى الريح، وعلى رجوع الضمير إلى المطر؛ فقد اختلف في معناه، فقيل: ما ذكرناه. وقيل: صرفناه بينهم وابلاً وطشاً وطلاً ورذاذاً، وقيل: تصريفه تنويع الانتفاع به في الشرب، والسقي والزراعات به والطهارات. قال عكرمة: إن المراد بقوله: {فأبى أَكْثَرُ الناس إِلاَّ كُفُورًا} هو قولهم: في الأنواء مطرنا بنوء كذا. قال النحاس: ولا نعلم بين أهل التفسير اختلافاً أن الكفر هنا قولهم: مطرنا بنوء كذا. وقرأ عكرمة {صرفناه} مخففاً، وقرأ الباقون بالتثقيل. وقرأ حمزة، والكسائي: {ليذكروا} مخففة الذال من الذكر، وقرأ الباقون بالتثقيل من التذكر.
{وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً} أي: رسولاً ينذرهم كما قسمنا المطر بينهم، ولكنا لم نفعل ذلك بل جعلنا نذيراً واحداً، وهو أنت يا محمد، فقابل ذلك بشكر النعمة {فَلاَ تُطِعِ الكافرين} فيما يدعونك إليه من اتباع آلهتهم، بل اجتهد في الدعوة، واثبت فيها، والضمير في قوله: {وجاهدهم بِهِ جِهَاداً كَبيراً} راجع إلى القرآن أي: جاهدهم بالقرآن، واتل عليهم ما فيه من القوارع والزواجر والأوامر والنواهي.
وقيل: الضمير يرجع إلى الإسلام، وقيل: بالسيف، والأوّل أولى. وهذه السورة مكية، والأمر بالقتال إنما كان بعد الهجرة. وقيل: الضمير راجع إلى ترك الطاعة المفهوم من قوله: {فَلاَ تُطِعِ الكافرين}. وقيل: الضمير يرجع إلى ما دل عليه قوله: {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً}؛ لأنه سبحانه لو بعث في كل قرية نذيراً لم يكن على كل نذير إلا مجاهدة القرية التي أرسل إليها، وحين اقتصر على نذير واحد لكل القرى، وهو محمد، فلا جرم اجتمع عليه كل المجاهدات، فكبر جهاده وعظم، وصار جامعاً لكل مجاهدة، ولا يخفى ما في هذين الوجهين من البعد.
ثم ذكر سبحانه دليلاً رابعاً على التوحيد، فقال: {وَهُوَ الذى مَرَجَ البحرين} مرج: خلّى، وخلط، وأرسل، يقال: مرجت الدابة، وأمرجتها: إذا أرسلتها في المرعى، وخليتها تذهب حيث تشاء. قال مجاهد: أرسلهما، وأفاض أحدهما إلى الآخر.
وقال ابن عرفة: خلطهما، فهما يلتقيان، يقال: مرجته: إذا خلطته، ومرج الدين والأمر: اختلط واضطرب، ومنه قوله: {فِى أَمْرٍ مَّرِيجٍ} [ق: 5] وقال الأزهري: {مَرَجَ البحرين} خلى بينهما، يقال: مرجت الدابة: إذا خليتها ترعى.
وقال ثعلب: المرج الإجراء، فقوله: {مَرَجَ البحرين} أي: أجراهما. قال الأخفش: ويقول قوم: أمرج البحرين مثل مرج، فعل وأفعل بمعنى: {هذا عَذْبٌ فُرَاتٌ} الفرات: البليغ العذوبة، وهذه الجملة مستأنفة جواب سؤال مقدّر، كأنه قيل: كيف مرجهما؟ فقيل: هذا عذب، وهذا ملح، ويجوز أن يكون في محل نصب على الحال. قيل: سمى الماء الحلو فراتاً، لأنه يفرت العطش أي: يقطعه، ويكسره {وهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ} أي: بليغ الملوحة، هذا معنى الأجاج. وقيل: الأجاج البليغ في الحرارة، وقيل: البليغ في المرارة، وقرأ طلحة {ملح} بفتح الميم، وكسر اللام {وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً} البرزخ: الحاجز، والحائل الذي جعله الله بينهما من قدرته يفصل بينهما، ويمنعهما التمازج، ومعنى {حِجْراً مَّحْجُوراً}: ستراً مستوراً يمنع أحدهما من الاختلاط بالآخر، فالبرزخ الحاجز، والحجز: المانع. وقيل: معنى {حِجْراً مَّحْجُوراً}: هو ما تقدّم من أنها كلمة يقولها المتعوّذ، كأن كل واحد من البحرين يتعوّذ من صاحبه، ويقول له هذا القول، وقيل: حدًّا محدوداً. وقيل: المراد من البحر العذب: الأنهار العظام كالنيل والفرات وجيحون، ومن البحر الأجاج: البحار المشهورة، والبرزخ بينهما الحائل من الأرض. وقيل: معنى {حِجْراً مَّحْجُوراً}: حراماً محرماً أن يعذب هذا المالح بالعذب، أو يملح هذا العذب بالمالح، ومثل هذه الآية قوله سبحانه في سورة الرحمن: {مَرَجَ البحرين يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ} [الرحمن: 19، 20].
ثم ذكر سبحانه حالة من أحوال خلق الإنسان والماء، فقال: {وَهُوَ الذي خَلَقَ مِنَ الماء بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً}، والمراد بالماء هنا: ماء النطفة أي: خلق من ماء النطفة إنساناً، فجعله نسباً وصهراً، وقيل: المراد بالماء: الماء المطلق الذي يراد في قوله: {وَجَعَلْنَا مِنَ الماء كُلَّ شَيْء حَيّ} [الأنبياء: 30]، والمراد بالنسب: هو الذي لا يحلّ نكاحه. قال الفراء، والزجاج: واشتقاق الصهر من صهرت الشيء: إذا خلطته، وسميت المناكح صهراً لاختلاط الناس بها. وقيل: الصهر: قرابة النكاح؛ فقرابة الزوجة هم الأختان، وقرابة الزوج هم الأحماء، والأصهار تعمهما، قاله الأصمعي. قال الواحدي: قال المفسرون: النسب سبعة أصناف من القرابة يجمعها قوله: {حُرّمَتْ عَلَيْكُمْ أمهاتكم} إلى قوله: {وأمهات نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] ومن هنا إلى قوله: {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأختين} [النساء: 23] تحريم بالصهر، وهو الخلطة التي تشبه القرابة، حرم الله سبعة أصناف من النسب، وسبعة من جهة الصهر، قد اشتملت الآية المذكورة على ستة منها، والسابعة قوله: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَاؤُكُمْ مّنَ النساء} [النساء: 22]، وقد جعل ابن عطية، والزجاج، وغيرهما الرضاع من جملة النسب، ويؤيده قوله: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» {وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً} أي: بليغ القدرة عظيمها، ومن جملة قدرته الباهرة خلق الإنسان، وتقسيمه إلى القسمين المذكورين.
وقد أخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {أَلَمْ تَرَ إلى رَبّكَ كَيْفَ مَدَّ الظل} قال: بعد الفجر قبل أن تطلع الشمس.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه بلفظ: أَلَمْ تَرَ أنك إذا صليت الفجر كان بين مطلع الشمس إلى مغربها ظلاً، ثم بعث الله عليه الشمس دليلاً، فقبض الظلّ.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً في الآية قال: مدّ الظلّ ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس {وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِناً} قال: دائماً {ثُمَّ جَعَلْنَا الشمس عَلَيْهِ دَلِيلاً} يقول: طلوع الشمس {ثُمَّ قبضناه إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً} قال: سريعاً.
وأخرج أهل السنن، وأحمد، وغيرهم من حديث أبي سعيد قال: قيل: يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة؟ وهي: بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن، فقال: «إن الماء طهور لا ينجسه شيء» وفي إسناد هذا الحديث كلام طويل قد استوفيناه في شرحنا على المنتقى.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه، والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: ما من عام بأقلّ مطراً من عام، ولكن الله يصرفه حيث يشاء، ثم قرأ هذه الآية: {وَلَقَدْ صرفناه بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُواْ} الآية.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، عن ابن عباس في قوله: {وجاهدهم بِهِ} قال: بالقرآن.
وأخرج ابن جرير عنه: {هُوَ الذي مَرَجَ البحرين} يعني: خلط أحدهما على الآخر، فليس يفسد العذب المالح، وليس يفسد المالح العذب.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: {وَحِجْراً مَّحْجُوراً} يقول: حجر أحدهما عن الآخر بأمره وقضائه.
وأخرج عبد بن حميد عن عبد الله بن المغيرة قال: سئل عمر بن الخطاب عن {نَسَباً وَصِهْراً}، فقال: ما أراكم إلا وقد عرفتم النسب، وأما الصهر: فالأختان والصحابة.

1 | 2 | 3